كان غرض الباحث نور الدين بلحداد من تأليف كتابه: “التسرب الإسباني إلى شواطئ الصحراء (1860 -1934م)” الثادر عام 2008م، هو تقديم الدليل الواضح المدعم بالحجج والوثائق على استمرارية السيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية وبطلان مزاعم وادعاءات القوى الاستعمارية وخصوم الوحدة الترابية للمملكة بهذا الخصوص.
وقد ارتكز بلحداد في تحقيق غايته العلمية هذه إلى الأصول المكتوبة حسب ما توفر من وثائق محلية وأجنبية وعلى زيارات ميدانية للأقاليم الصحراوية, بغية التعرف على طبيعتها وعلى ساكنتها والوقوف بعين المكان الذي كان مسرحا للعديد من الأحداث الحاسمة في تاريخ المنطقة.
لهذا كان هذا الإصدار الذي جاء في 428 صفحة، ضمن سلسلة أطروحات كتاب دراسة, عن معهد الدراسات الإفريقية، كاشفا عن العديد من الوثائق والسجلات والكنانيش المخزنية التي تزخر بها الخزانة الحسنية بالرباط, مع مقارنتها بالوثائق الأجنبية لوصول إلى الحقيقة التاريخية.



اختار الكاتب الفترة الزمنية التي تناولها في الدراسة، معترفًا بأنها “لا تكفي للإحاطة بكل الأحداث التي شهدتها الصحراء المغربية”، لكنها جاءت نظرًا لأهمية سنتين محوريتين. تمثل سنة 1860 بداية التزام المغرب، بموجب معاهدة مع إسبانيا، بالسماح للأخيرة بإنشاء مركز للصيد البحري في السواحل الجنوبية. أما سنة 1934، فهي تُعد نهاية مرحلة طويلة من كفاح أبناء الصحراء ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني، بعد نفاد أسلحتهم وذخيرتهم.
من الصعوبات التس صادفها الباحث امتناع المسؤولين الإسبان عن تمكينه من الاطلاع على وثائق الخارجية الاسبانية, مما دفعه صوب فرنسا للاطلاع على الوثائق المتوفرة لديها (وثائق الكي دورسي ووثائق الأرشيف الدبلوماسي بمدينة نانط) إنطلاقا من أن فرنسا كانت لها أطماع استعمارية واضحة بخصوص السواحل المغربية منذ نهاية القرن التاسع عشر، وهو ما تأكد أخيرا بعد أن وافقت الحكومة الفرنسية شهر نونبر الجري (2024م) تسليم المغرب حوالي مليون وثيقة لها صلة بملف الصحراء المغربية.
قسم الباحث الدراسة إلى خمسة فصول، تناول في الفصل الأول الظروف الطبيعية، والمقومات الاقتصادية والبشرية، بوصفها مدخلًا لفهم ذهنية سكان الصحراء وكيفية تعاملهم مع الأحداث منذ عام 1860. أما الفصل الثاني، فركز على الأطماع التوسعية الإسبانية في سواحل المغرب الجنوبية، منذ أواخر القرن الخامس عشر وحتى عام 1883، مع إبراز موقف السلاطين المغاربة الرافض لأي تنازلات، والتوتر الناجم عن احتلال بريطانيا لساحل طرفاية.
في الفصل الثالث، استعرض الباحث الاحتلال الإسباني لسواحل وادي الذهب بين عامي 1884 و1900، موضحًا دوافع إسبانيا بالرغم من غياب الإذن السلطاني. الفصل الرابع سلط الضوء على الاتفاقيات الفرنسية-الإسبانية بين عامي 1900 و1912، التي قسمت مناطق النفوذ في الجنوب المغربي، مع التركيز على جهود السلطة المركزية لتعزيز العلاقات مع القبائل الصحراوية، كما يتجلى في استقبال السلطان للوفود الصحراوية، بقيادة الشيخ ماء العينين، لتجديد البيعة أو طلب الدعم العسكري.
أما الفصل الخامس، فتناول مقاومة قبائل الصحراء المغربية للاستعمار الإسباني والفرنسي بين عامي 1912 و1934، موضحًا تأثير هذه المقاومة على تطور الأحداث.
من بين أهم خلاصات الدراسة الموثقة (المدعومة بوثائق وصور تاريخية)، تفنيد الادعاءات الأجنبية التي تزعم أن سلطة المخزن المغربي لم تتجاوز وادي درعة في القرن التاسع عشر. واستدل الباحث بظهير السلطان مولاي الحسن الأول عام 1879، الذي عين الشيخ ماء العينين خليفة في مناطق وادي نون والصحراء، مما يؤكد خضوع هذه المناطق لسلطة المغرب قبل الاحتلال الإسباني. كما أشار إلى اهتمام المخزن بشؤون القبائل الصحراوية، مستعرضًا رحلتي السلطان مولاي الحسن الأول: الأولى في سنة 1882 والثانية كانت عام 1886م، وجهوده لتأمين السواحل الجنوبية ضد التدخلات الأجنبية، وفقًا لمراسلات بين المخزن وقادته في الجنوب.