تعتبر قبيلة «أولاد تيدرارين» من أقدم القبائل العربية التي استوطنت منطقة «الساقية الحمراء» و«وادي الذهـب», وخاصة بالمكان المعروف بـ«الزريبة» قرب مركز «المسيد» على بعد حوالي ثمانين كلم شمال «بوجدور»، فهي تنحدر من جد واحد يدعى حنين بن سرحان القادم من «وادان» إلى ناحية «رأس بوجدور»، حيث صاهر قبيلة «كندوز» وعقب ابنه إبراهيم، وحنين هذا دفين «المسيد» من أرض الساحل(1).
وتنسبها المصادر التاريخية إلى الأنصار، يقول عنها المختار ولد حامد: «قبيلة «أولاد تيدرارين» الأنصار من أوفر قبائل الساحل، حتى قيل إنه كان باستطاعة المسافر أن يسافر من غير حاجة إلى زاد، من حاشية البحر الأخضر من حومة «الداخلة» إلى «مراكش»، يصبح ويقيل ويبيت في أحيائهم، والكثير من بطونها في المغرب، ولها فروع في القبيلة وفي «أفطوط الشرقي»، كما أن لها تاريخا في «أدرار» وخاصة في «وادان»»(2).
ويؤكدذلك الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين بقوله: «فإنهم من الأصل العربي الذي لا جدال فيه، وأن نسبتهم إلى الأنصار هي ثابتة بتواتر الروايات الشفوية»(3).
ومن المؤرخين من ألحقهم بتكنة مثل: المختار السوسي في المعسول حيث ذكر: «أن قبيلة «أولاد تيدرارين» من قبائل «أيت الجمل» المنحدرة من قبيلة «تكنة»»(4)، وعلي الشامي عندما قال: ««التكنة» في بداية القرن السادس عشر تقريبا، وفي منطقة تدعى «تاراجيجة» الواقعة قرب «أكادير»، تشكل تحالفا يضم حوالي 12 قبيلة من القبائل المحاربة لمواجهة تحالف آخر يضم قبائل «السماليل»، الحلف العسكري المناوئ للسماليل أطلق عليه اسم «تكنة»، ويضم كلا من «الزرقيين»، و«أولاد تيدرارين»، و«العروسيين»، و«أية لحسن»، و«أية موسى وعلي»، و«أية الخمس»، و«الزوافيط»، و«أية يوسة»، و«أية حماد»، و«أولاد بوعشرة»، و«أية مسعود»…»(5).
وعلق حمداتي شبيهنا على هذا النص بقوله: «رغم ما تحمله هذه الفقرة من أخطاء في النطق في الأسماء، وعدم ترتيب الأسماء على ضابط معين، فإنها تفيدنا بشيئين اثنين: الأول: هو كون «أبناء تيدرارين» والشرفاء «العروسيين» انتميا لحلف «تكنة» أيام تكوينه، والثاني هو تاريخ تكوين هذا الحلف، إذ قال إنه في بداية القرن السادس عشر المسيحي»(6).
أما عن انتماء «أولاد تيدرارين» له فهو شيء تمليه عدة مبررات، منها: أن الاستقرار في تلك الفترة لا يمكن إلا لمن ينتمي إلى مجموعة تحميه من تسلط الآخرين مع أن نمط حياة «أولاد تيدرارين» وغيرهم من قبائل «تكنة» المقيمة في المنطقة متحد في كل شيء، وأيضا الاندماج البشري الحاصل بالمصاهرة والمجاورة، كلها شواهد تثبت الانضمام إلى هذا الحلف الذي لا ينتمي لأصل واحد، بل إنه تجمع ارتضى العيش تحت عادات معينة وأعراف تخصه، تضمنها رعاية أبناء تلك القبائل الذين شكلوا حلفهم لهذا الغرض(7).
وإن نسبتهم لـ«حلف تكنة» تدخل في البحث عن الأمن داخل مجتمعات تكثر فيها الحروب المحلية، لكن بقيت مميزاتهم العامة تلحقهم بالزوايا مهما كانت النكبات القهرية التي تعرضوا لها، إذ يكثر فيهم التحكم في النفس عندما يتعرضون لاستفزاز الظلمة إذا ما قيسوا بغيرهم ممن يعيش في البيئة التي عاشوا فيها، فبحثهم عن الحلال، وهروبهم من الحرام، وانزواؤهم على أنفسهم، كلها دلائل تؤكد نسبتهم للأنصار، وامتهانهم لحرف الزوايا.
أما بخصوص تفرعات قبيلة «أولاد تيدرارين» فتتفرع إلى تسعة بطون، وهي:
1ـ «المقالشة»:وهم خمسة أفخاذ : «أهل الحاج»، و«الصنوبات»، و«المنابهة»، و«أهل احمد مسكة»، و«الصوالح».وكل هذه الأفخاذ تلتقي عند مقلش بن اعل الملقب بـ«اعلي لعصام».
2ـ «أولاد سيدي ياسين ابن اعلي لعصام»: وهم ثلاثة أفخاذ: «أولاد سليمان»، و«الدعانين»، و«أهل ابريهمات».
3ـ «اليدادسة».
4ـ «العبوبات».
5ـ «أولاد سيد أحمد بوغنبور»: وهم بيت رئاسة القبيلة وهم تسعة أفخاذ: «الفعاريس»، و«أولاد ياسين»، و«أولاد موسى»، و«أولاد بوشيكر»، و«أولاد إسماعيل»، و«أولاد استيلة»، و«الرحيلات»، و«أهل الطالب اعلي».
6ـ «الحسينات».
7ـ «أولاد اعلي».
8ـ «أولاد بوسحاب».
9ـ «أولاد الغازي».
10ـ «أهل يــــارا».
11ـ «لحميـــدات».
وبالنسبة لمجال انتشارها فقد تحكمت فيه طبيعة نمط عيشها الرعوي، حيث كانت من القبائل الصحراوية الغنية، بفعل ما كانت تملكه من قطعان الماشية من إبل وماعز وغنم، الشيء الذي جعلها تحتاج للمراعي الفسيحة ونقاط الماء المتعددة، ومن آبارهم بـ«الساقية الحمراء» و«وادي الذهب»: «النخيلة» جنوب «العركوب»، و«تاشكتنت» شرق «الداخلة»، و«تاكرزيمت» في منطقة «أكركر»، وآبار «الكراع»، و«انويفظ/الترتار»، و«أوفيست»، و«أوزيوالت»، و«حيمر ماه»، و«تيكري»، و«هباز» وكلها بـ«إقليم بوجدور»، وجنوب شرق ذلك نجد: «حاسي أريدال»، و«لمعيدر»، و«تيراكلين»، و«أماسين»، و«الحيرش»، و«لمريرة»، و«اعويشة»، و«توزنين»، و«سركاو»، و«المسيد» قرب الشاطئ شمال «رأس بوجدور»، ثم «أنوتي» و«العيافة»، و«تافراوت»، و«الطاح»، و«حاسي اللكاح» وكلهما بـ«الساقية الحمراء». فمواقع هذه الأحساء تبين أن مناطق تنقل «أولاد تيدرارين» هي المراعي القريبة من السواحل الأطلسية انطلاقا من منطقة الداخلة جنوبا «النخيلة» في اتجاه «الطاح» شمالا بناحية «طرفاية»(9).
وتجدر الإشارة إلى أن «أولاد تيدرارين» انتشروا شمالا وجنوبا، حيث نجد مثلا: «أولاد الغازي» ابن اعلي بن أبي يعزى وهم في «فيطوط» بقبيلة «الرحامنة» شمال «مراكش»، كما نجد «الصوالح» و«أهل أحمد مسكة» المنتمين للفخ المختار قد توطنوا في قبيلة «إدا بلحسن» بمنطقة «الترارزة» في «موريتانيا»، ونجد من ذرية موسى بن عبد الله بن سيد أحمد بوغنبور بقبيلة «ايد كجملة» ب«الترارزة» كذلك، ويوجد «أولاد تيدرارين» كذلك في منطقة «تيورار» جنوب شرق «مراكش»، ونجد «أهل الصنوبي» و«أهل زعمان» في «الدشيرة» بناحية «أكادير»، كما يوجد «الصوالح» بناحية «الصويرة» مع «الشياظمة»، وبعض «العبوبات» وبعض «أهل استيلة» و«أولاد اعلي» بمناطق «بوحولي»، وفرقة في «بير اكويدير» بـ«المجون» مع «أولاد أبي السباع» ومتجرهم «خميس سيدي بوزيد»، وفرقة «أولاد ياسين» و«أهل أحمد مسكة» بـ«الصميرة» بـ«الرحامنة»، وبعض «العبوبات» يجاورون قبيلة «السراغنة» ويقيمون موسما دينيا هناك في العشر من رجب من كل سنة، ويوجد بطن «الرحيلات» بمنطقة «الحدرة» بـ«الرحامنة»، وفي منطقة «القبلة» بـ«موريتانيا» توجد فرقة باسم «أولاد تيدرارين» من «أولاد موسى» تسكن مع «أهل الشيخ سيديا»، وفرقة أخرى من «أولاد موسى» تسكن مع قبيلة «إيدكشمة» بـ«القبلة» كذلك(10).
أما عن مميزاتهم فيعرفون بتربيتهم للماشية وعنايتهم بها، وأيضا بممارسة زراعة الحبوب في حالة سقوط المطر بالمناطق المعهودة للزراعة المعروفة محليا بـ«لكرار»، وكانوا يوجهون قوافل سنوية لجلب المؤونة من أسواق منطقة واد نون بناحية كلميم، حيث يبيعون الإبل، ويجلبون ما يحتاجون إليه من أثواب وشاي وسكر وأواني.
وقد ظهر في قبيلة «أولاد تيدرارين» مجموعة من الصلحاء والعلماء المتصوفة من أشهرهم: سيدي أحمد بوغنبور دفين «ازريبة» شمال «بوجدور»، وأيضا مقلش بن اعلي دفين «النخيلة»، وسيدي عبد الله امحمد دفين «لكراع»، وموسى ولد عبد الله ولد سيدي أحمد بوغنبور دفين «الجريفية»، وأحمد ولد يداس دفين «الترتار»، وسدي الغازي ولد بابا اعلي دفيم «أكطي»، وأحمد ولد إبراهيم دفين «حاسي توزنين»، والعالم ولد محمد الشيخ دفين «أوديات العالم»، وعيسى ابن براهيم دفين «الساقية الحمراء»، وبابا اعلي «اعلي لعصام» دفين «أكطي»، وباب اعلي جوار البحر شمال «المسيد»، وميارة ولد سيدي إبراهيم دفين «تافراوت» شمال «فم الواد»، ومن الصالحات: لالة العيافة بنت ميارة دفينة «أزبار العيافة» غرب «العيون»، ولالة مالوكت زوجة بابا اعلي المدفونة معه في «أكطي بابا اعلي» جنوب «لملايا» «العيون الشاطئ»(11).
أما عن وطنيتهم فهي راسخة وقوية، فطيلة تحكم الاستعمار في الصحراء المغربية بقي أولاد تيدرارين هم أبعد القبائل منه، فلم يلتمسوا نفعا ماديا منه، ولم يمتهنوا العمل معه، باستثناء أفراد قلائل، بل لما تحكم انزووا في الأرض التي يسكنون فيها واشتغلوا بالفلاحة وتنمية الكسب، ومنعوا أولادهم من الدراسة في المدارس التي فتحها المستعمر بـ«طرفاية» و«العيون» و«الداخلة»، ولم تعرف القبيلة رئاسة مستبدة بالسلطة بل كانوا يحكمون الأعراف و«اجماعة» في أمورهم.
ولما خاض المغرب معركة التحرير كان «أولاد تيدرارين» من الأوائل الذين أسرعوا جميعهم للدخول في الخلايا الوطنية. وعندما انعقد مؤتمر أم اسكاك كانوا من أكثر القبائل التي شاركت فيه، وذهب في الوفد المنبثق عنه اثنا عشر رجلا من أعيانهم من بينهم قائدهم المرحوم محمد بن عبد الله بن محمد البشير بن ميارة، وظلوا متشبتين بوطنيتهم إلى اليوم، ومعتزين بمغربيتهم، ومتمسكين ببيعتهم(12).
واليوم تتمركز غالبية «أولاد تيدرارين» بـ«إقليم بوجدور»، بالإضافة على فروع في كل من «الداخلة»، و«العيون»، و«حوز مراكش»، وبـ«ناحية الصويرة»(13).
إعداد: حسناء بوتوادي
الهوامش
(1)محمد دحمان، (مادة أولاد تيدرارين)، معلمة المغرب، نشر دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى 1435هـ/2014م، ملحق (ج3)(26/197)، ومصطفى ناعمي، ()، معلمة المغرب، من إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، نشر مطابع سلا 1415هـ/1995م، (8/2658).
(2)حياة موريتانيا (ص10)، ومصطفى ناعمي، (مادة أولاد تيدرارين)، معلمة المغرب، من إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، نشر مطابع سلا 1415هـ/1995م، (8/2658).
(3)كتاب قبائل الصحراء المغربية أصولها ـ جهادها ـ ثقافتها، لحمداتي شبيهنا ماء العينين، المطبعة الملكية، الرباط، 1419هـ/1998م، (ص46).
(4)المعسول (24/393).
(5)الصحراء عقدة التجزئة في المغرب العربي (ص75)، نقلا عن كتاب قبائل الصحراء المغربية (ص147ـ148).
(6)كتاب قبائل الصحراء المغربية (ص148).
(7)نفسه (ص148ـ149).
(8)نفسه (ص150).
(9)محمد دحمان، (مادة أولاد تيدرارين)، معلمة المغرب، ملحق (ج3)، (26/198).
(10)نفسه (26/198)، ومصطفى ناعمي، (مادة أولاد تيدرارين)، معلمة المغرب (8/2659).
(11)محمد دحمان، (مادة أولاد تيدرارين)، معلمة المغرب، ملحق (ج3)، (26/198).
(12)كتاب قبائل الصحراء المغربية (ص150ـ151).
(13)محمد دحمان، (مادة أولاد تيدرارين)، معلمة المغرب، ملحق (ج3)، (26/198).