الورش الملكي الجديد في ملف الصحراء: الإقناع بحجج التاريخ والجغرافية والروابط الروحية

دعا الدكتور عبد الله بوصوف، الباحث في العلوم الإنسانية والأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، إلى ضرورة استغلال الثقافة والفنون الصحراوية في التعريف بهذه القضية، فضلاً عن ضرورة العمل من أجل استعادة الوثائق التي تؤكد الروابط التاريخية التي تجمع الصحراء بالمغرب منذ القدم.
وأوضح بوصوف، في حوار مع أسبوعية “الأيام”، أن خطاب الملك في افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان يوم الجمعة 11 أكتوبر 2024، هو بمثابة طي نهائي لملف الصحراء الذي عمر أكثر مما ينبغي، مبرزا أن “جلالة الملك فاعل كبير في مجال العلاقات الدولية.
وشدد بوصوف على أن الدولتين المستعمرتين السابقتين للمغرب، فرنسا وإسبانيا، تمتلكان معلومات حصرية وثمينة حول مغربية الصحراء لا يعرفها الجميع، انطلاقا من الوثائق المتوفرة لديهما إبان الفترة الاستعمارية أو التي سبقت هذه الفترة، لهذا يحق لهما الشهادة في هذا المف وهو ما سيؤكد مغربية الصحراء.
ولفت الانتباه في الحوار ذاته أن “الملك محق في المطالبة بالإفراج عن هذه الوثائق، لكن يجب أيضا على مؤسسة أرشيف المغرب أن تسعى إلى استرجاعها لكونها مهمة جداً، وليس فقط تلك المرتبطة بالصحراء، ولكن حتى بمناطق مختلفة وفترات سابقة”.
ونعيد نشر نص الحوار:

حوار صحيفة “الأيام” مع الدكتور عبدالله بوصوف

بعد الخطاب الملكي ليوم 11 أكتوبر أمام غرفتي البرلمان، ما هي دلالات تخصيص هذا الخطاب بأكمله للحديث حصرا عن قضية الصحراء المغربية في وفت يتسعد فيه مجلس الامن لاتخذا قرار بخصوص تمديد مهمة المينورسو بأقاليمنا الجنوبية؟
أعتقد أن تخصيص جلالة الملك خطاب افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان لقضيتنا الوطنية يعكس مكانتها لدى كل المغاربة فهي أم القضايا والقضية الوطنية الأولى والمنظار… وغيرها من التوصيفات القوية كاعتبارها قضية وجود وليست قضية حدود…مع وجوب التنبيه الى توظيف ذات الخطاب للغة فيها الكثير من الثقة وايضا الكثير من العرفان لكل الأصدقاء والأشقاء والكثير من العزم والحزم لطي هذا الملف المفتعل..
لقد تعودنا أن يقود النظام العسكري الجزائري خلال شهر أكتوبر من كل سنة حملات تشهير وتشويه صورة المغرب بالخارج وأيضا ترويج بضاعته الفاسدة البوليساريو بمجموعة من المنصات الإعلامية وتسخير أقلام مأجورة وسياسيين فاسدين لهذا الغرض… وكل همهم هو التأثير على اجتماعات مجلس الأمن الدولي بخصوص القرار السنوي لشهر أكتوبر حول ملف الصحراء المغربية وبعثة المينورسو… لكن هيهات ثم هيهات…لقد عرت جميع المواقف عن عورة النظام العسكري الجزائري الذي أصبح يستدعي سفراء الدول التي تعترف بمبادرة الحكم الذاتي للأقاليـــم الصحراوية المغربية..
كما انتقل المغرب من مقاربة التدبير الى مقاربة التغيير بالعمل والبناء وإشراك أبناء الصحراء المغربية في تسيير الشأن العام ليس على المستوى المحلي فقط بل على المستوى الوطني كذلك وخير دليل انتخاب رئيس مجلس المستشارين غداة هذا الخطاب وهي بالمناسبة المرة الثالثة التي يتحمل فيها أبناء الصحراء المغربية تسيير الغرفة الثانية بالبرلمان المغربي… وهي إشارة الى أن أهل الصحراء يساهمون كمغاربة في عملية صنع القرار السياسي وفي صناعة المواد التشريعية. لذلك كانت الرسالة هي أن ملف الصحراء المغربية ليس رهينة في يد شهر أكتوبر ولا تحرشات النظام الجزائري…

من يستمع إلى الخطاب يخرج بخلاصة مفادها بأنه موجه أيضا للاتحاد الأوربي في بعض فقراته، خصوصا عندما تحدث عن الدول الأوروبية التي تواصل شراكاتها الاقتصادية مع أقاليمنا الجنوبية، فهل يمكن أن يعتبر ذلك بمثابة رد على القرار الأخير للمحكمة الاوربية والذي يمس المصالح الاقتصادية للمغرب؟
أعتقد أن سياسي من حجم صاحب الجلالة يشهد له القاصي والداني بقوة الشخصية والبصيرة السياسية…هو أكبر بكثير أن يتناول ذلك في خطاب سامي موجه للنواب وللمؤسسات وللمواطنين.. خاصة وأن بلاغ وزارة الخارجية كان واضحا بأن المغرب ليس طرفا وأن القرار لا يعنيه.. لكن هنا لا بد من التذكير بخطاب سابق لصحاب الجلالة بقوله أن ملف الصحراء المغربية هو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات…لذلك فخطاب 11 أكتوبر هو تأكيد على عقيدة مغربية راسخة بضرورة احترام الصحراء المغربية كجزء لا يتجزأ من الوطن من طرف كل الفاعلين الاقتصاديين والاستثماريين…
وتخصيص الخطاب فقرات شكر وعرفان لفرنسا ولرئيسها إيمانويل ماكرون.. فهذا لأن اعتراف فرنسا هو حدث سياسي وتاريخي كبير باعتبار مكانة فرنسا على الساحة الدولية وداخل مجلس الأمن الدولي كعضو دائم وتتمتع بحق الفيتو ، بالإضافة الى أن فرنسا هي شريك اقتصادي وتجاري كبير للمغرب وأنها المحتل السابق للمغرب بعقد الحماية والمستعمر السابق للإيالة الجزائرية منذ سنة 1830 لذلك فهي عارفة بتاريخ وجغرافية المنطقة ليس فقط الصحراء المغربية بل الصحراء الشرقية والحدود مع مالي وصحراء تونس وليبيا وغيرها وهو ما سيعتبر زلزالا قويا للنظام العسكري الذي استدعى سفيره من باريس التي اعترفت بمبادرة الحكم الذاتي كسقف أعلى ووحيد لحل النزاع الإقليمي المفتعل…
أما شكر الرئيس الفرنسي فهو رد للتحية بأحسن منها وقد عودنا ذلك جلالة الملك على ذلك سواء مع بيدرو سانشيز أو دونالد ترامب…
أعتقد أن الملف يسير نحو نهايته بكل الثقة الممكنة في قوة الحق المغربي على صحراءه باسم التاريخ والجغرافية والروابط الدينية…
لكن في نفس الآن ضخ جرعة أخرى من الحيطة والعمل على الاستعداد للمقاربة الاستباقية والابتعاد عن سياسة رد الفعل… وذلك بدعوة الفاعلين الحزبيين والبرلمانيين بتقوية درجة الترافع في ملف الصحراء المغربية خلال اللقاءات الثنائية أو الدولية لكن شريطة توفر عناصر الكفاءة والمعرفة والاختصاص…
وهو الورش العلمي والمعرفي الذي يجب أن يكون محوره هو الصحراء المغربية بكل أبعادها التاريخية والجغرافية والروحية وان يغرف من قانون العلاقات الدولية واختصاصات المؤسسات السياسية والقضائية والحقوقية بأوروبا وأمريكا…
فالورش الملكي الجديد في عمليات إقناع القلة الباقية بحجج تستمد عناصر قوتها من التاريخ والجغرافية والروابط الروحية…. لذلك فلابد من تحديد منهجيات تحترم البعد الثقافي والسياحي والتراثي، فمثلا الصحراء المغربية تتوفر على 17 موقع أثري صنف ضمن التراث الوطني، وهناك مناطق أخرى بالجنوب المغربي تتوفر على مئات المواقع الاثرية التي يجب التعريف بها، والتعريف أيضا بالثقافة الحسانية وموقع المرأة في هذه الثقافة والتي تضاهي مكانة المرأة في المجتمعات المتقدم…
ومن هنا يمكننا القول إن الثقافة الصحراوية المغربية تجعل الإنسان محور الحياة وبالتالي ينبغي دعم المقاربة السياسية بالمقاربات الثقافية والاجتماعية، هذا بالإضافة الى عنصر التاريخ من خلال التعريف بالبيعة التي تربط الصحراويين بملوك المغرب في أبعادها التاريخية، لا سيما وان كل الأحداث تؤكد أن الصحراء لم تكن أبدا أرضا خلاء وان الفرنسيين والإسبان يعرفون ذلك جيدا إذ أقاموا اتفاقيات تجارية مع عدة سلاطين وهذا كله يجب معرفته لتبليغه للعالم..
وفضلا عن ذلك أعتقد أن إفريقيا لن تتقدم إذا لم تحظ بالاستقرار اللازم والمغرب بلد مستقر وهو يمهد الطريق للأفارقة عبر المبادرة الأطلسية لدول القارة ويساعدها على الاستقرار والتنمية الاقتصادية بها، لأن المغرب ومنذ عودته إلى البيت الإفريقي عام 2017 كانت فلسفة الملك دائما تقوم على قاعدة رابح- رابح، وهو ما رأيناه من خلال تغيير مجموعة من البلدان لموقفها من مغربية الصحراء ولم تبقى سوى قلة قليلة كالموزمبيق مثلا التي ساهم المغرب في تحريرها ، كما ساهم في تحرير عدد من البلدان الإفريقية وهذا لا يعرفه الكثير من الأفارقة وهو ما يستحق العمل عليه ونقله للأفارقة…
ومن جهة ثانية، فكلنا يتمنى تنظيم معرض داخل الاتحاد الإفريقي حول دور المغرب في الحركات التحررية الإفريقية أو حول إفريقيا في فكر جلالة الملك محمد السادس..
ومن خلال عمليات الرصد والمتابعة للخطب الملكية منذ سنة 1999 وحتى اليوم فانه من السهل الوقوف على أن هناك فلسفة وأجندة ملكية للتعامل مع إفريقيا وأنه بحق يعتبر زعيما إفريقيا متفردا… وهذا ايضا يجب أن ينقل للأفارقة من أجل تغيير مواقفهم….

دعا الملك إلى الانتقال من مقاربة رد الفعل، إلى أخذ المبادرة، والتحلي بالحزم والاستباقية، فما المقصود بهذه الاستباقية باعتبارك من الباحثين والخبراء في شؤون الصحراء؟
أعتقد أن الاستباقية تعني تحول كل ما هو نظري إلى عملي تطبيقي ، وعليه يجب أن نعتبر أن وحدتنا الترابية استكملت ونمر إلى تفعيل مجموعة من المضامين والقرارات التي تخص هذه المنطقة والتي سيقف من يزورها اليوم على حجم التغيير الذي حدث فيها …فمن يزور العيون مثلا في هذا العام ستتضح له صورة التطور الحاصل مقارنة مع 1975، والذي يفوق حتى البلدان التي حصلت على استقلالها قبل تلك الفترة، فمثلا العيون تضم أكبر مكتبة لا توجد حتى في عدد من الدول، وتتوفر على بنية تحتية مهمة كالمطار مثلا….أو الطريق الرابط بين أكادير والداخلة، واستعمال تقنيات جديدة الى الصحراء في المجال الفلاحي… وتطور مجالات سياحية لها علاقة بالبحر…اعتقد أن هذا ما يجب أن نوليه الاهتمام لتنمية المنطقة، وهذا يستلزم جهدا للتعريف أيضا بالثقافة الصحراوية والتراث الحساني ليصل الى إخوانهم في كل التراب الوطني…
نحن نتحدث عن اللغة والثقافة الحسانية التي جعلها الدستور من روافد الثقافة المغربية لكن يجب أن نوليها الاهتمام بالمناهج الدراسية والإنتاج الفني والسينمائي…
اعتقد ان هذه هي احدى واجهات الاستباقية التي ينبغي أن تحيط بالعديد من الجوانب، وذلك انطلاقا من هذا الخزان الكبير من التراث والتراكم الإنساني والروحي والثقافي…
من جهة أخرى ، فالفاعل السياسي يجب أن يعيش هذه اللحظة الصحراوية بكل امتداداتها الجغرافية والتاريخية والحضارية حتى نتحدث ونخاطب الناس بما يعرفون ونبلغ ما لا يعرفون… لأن الصحراء المغربية هي بوابة العمق الإفريقي وصلة الوصل في إفريقيا ..ولكنها أيضا خزان كبير من الثقافة والتقاليد والأعراف إذ يمكن أن نستفيد منه من الناحية الإنسانية لأنك عندما تزور الصحراء تجد الإنسان الصحراوي كريم بطبعه، والمرأة خبيرة بطبعها والإنسان هناك يتعامل مع الناس بفطرته ومن منطق إنسانيته وأعتقد أن هذه الثقافة يمكن أن تخدم كثير من القضايا الراهنة اليوم وبدون أية حواجز، لكون الصحراء مكان للتعايش ويجب أن نجعل منه مفخرة للمغرب وللمغاربة بأن يكون جزءا من بلدنا منطقة صحراوية تعبر عن كل ذلك الغنى والتنوع الطبيعي والمناخي.

طيب.. ماذا عن الجامعة المغربية وهل تعتقد أن من أولوياتها اليوم إنشاء مراكز بحثية متخصصة في تاريخ الصحراء وعلاقتها بالدول التي حكمت المغرب وأنت تعرف أن أغلبها انطلق من الصحراء مثل المرابطين والموحدين، والسعديين والعلويين، وبالتالي فالجبل الجديد لا يعرف الكثير عن هذه العلاقة، فما هي دور المثقف والباحث في التعريف حول هذه العلاقة التي تتم محاولات حصرها فقط من عام 1975 رغم أنها تضرب عميقا في جدور التاريخ؟
العلاقة قديمة وأزلية بين الصحراء والمغرب والتاريخ ليس فقط هو البيعة، ولكن هناك علاقات ووشائج متعددة والواقع التاريخي يؤكد على أن المرابطين انطلقوا من هناك واتجهوا شمالا كما أن مجموعة من الزوايا انطلقت من الشمال واتجهت جنوبا مثل الأدارسة والتجانيون والعروسيون… وهناك أواصر قوية جدا بين الشمال والجنوب وهاذ لا نجده في بلدان أخرى، حيث تكون أقاليمها منفصلة بل حتى اللغة الحسانية ما هي إلا نتاج لتمازج الامازيغية مع العربية، وبالتالي فهي ترجمة عملية لهذين المكونين الأساسيين في الثقافة المغربية وهذه الوشائج قوية جدا لا يمكن أن نفرط فيها، وبالتالي أتفق معك في أن البحث العلمي والجامعة المغربية لا بد أن يوليا الاهتمام البالغ لتاريخ الصحراء لأنه عبر الصحراء يمكن المرور إلى إفريقيا ولا بد من الاهتمام من طرف البحث الجامعي لكون الفضاء المعرفي الفكري المغربي يفتقد إلى كتب وأبحاث معمقة حول الصحراء المغربية…ولا بد أن تلعب الجامعة دورها وتخصص “ماستر” لقضية الصحراء يتم من خلاله استكشاف الكثير من الجوانب الخفية مثل الطبخ والملابس والحلي والأدب الشعبي و “الألعاب الصحراوية” التقليدية التي يلعبها الأطفال هناك مثلا والتي تزخر بالكثير من الثقافة والتاريخ…

بالعودة إلى الخطاب الملكي، لماذا خص جلالة الملك الرئيس الفرنسي بالشكر في خطاب رسمي، وما هي أهمية الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء في وضع نقطة نهاية لهذا النزاع المفتعل؟
فرنسا شريك أساسي بالنسبة للمغرب وهو الشريك الأول اقتصاديا، كما أن فرنسا منذ عام 1975 كانت إلى جانب المغرب بشكل أو بآخر في مجلس الامن كعضو دائم وهذا مهم جدا إلى جانب أمريكا التي اعترفت سابقا، كما أن فرنسا ربما تعتبر أن لها جزء من المسؤولية في فصل الصحراء عن المغرب خاصة خلال الفترة الاستعمارية مع إسبانيا، وبالتالي فهي تملك مجموع الأرشيف والوثائق التي يمكن من خلالها الاستشهاد والتدليل على مغربية الصحراء كما أنها كانت أيضا في موريتانيا، وبالتالي فشهادتها يمكن أن تكون بمثابة الضربة القاضية لأعداء وحدتنا الترابية، وإذا كان من يمكن أن يعطي رأيه في هذه القضية فهي فرنسا لوزنها ولعلاقتها بإفريقيا، ولهذا أعتقد ان الملك خص الرئيس ماكرون بالشكر وهو محق في ذلك، لأن من لا يشكر الناس لا يشكر الله، وصاحب الجلالة بثقافته وتربيته وبما تلقاه من أسلافه الميامين هو فاعل كبير في العلاقات الدولية وأعتقد انه من القلائل في هذا العالم الذين يضبطون فن ممارسة هذه العلاقات وهو أدرى من غيره بما تقوم فرنسا وبما يمكن أن يشكله هذا الاعتراف الفرنسي لطي هذا الملف.

ألا يمكن اعتبار تأكيد الملك على أن فرنسا وإسبانيا تعرفان جيدا خبايا هذا الملف هو دعوة لهما من أجل الكشف عما لديهما من وثائق بخصوص الصحراء باعتبارهما القوتان الاستعماريتان السابقتان للمغرب؟
جلالة الملك لاعب كبير في مجال العلاقات الدولية… وفرنسا وإسبانيا يحق لهما تقديم الشهادة في هذا الملف لامتلاكهما معلومات حصرية لا يعرفها الجميع، وهذا عن طريق الوثائق المتوفرة لديهما إبان الفترة الاستعمارية أو التي سبقت هذه الفترة وهو ما سيؤكد مغربية الصحراء،
والملك محق في المطالبة بالإفراج عن هذه الوثائق لكن يجب أيضا على مؤسسة أرشيف المغرب أن تسعى لاسترجاعها لكونها مهمة جدا، ليس فقط المرتبطة بالصحراء ولكن حتى بفترات سابقة، وأنا دائما أتحدث مع بعض الأصدقاء حول كتابات ومكتبة السلطان مولاي زيدان المتواجدة حاليا في مكتبة “الإسكوريال” بمدريد والتي تتكون من حوالي 4000 مخطوط والتي سعى صاحب الجلالة لاسترجاعها ورغم أنه تمت إعادتها عن طريق الميكروفيلم إلا أن الوثائق لا زالت هناك…
وأتمنى أن يأتي اليوم الذي نسترجع فيه كل هذه الوثائق وكل ما له ارتباط بالمغرب خاصة ذات العلاقة بمشاركة المغاربة في الحرب العالمية الثانية والتي قد تقلب مجموعة من الحقائق خاصة الخرافة التي نسجت بمساهمة فيلق “الكوم” في الحرب العالمية الثانية واتهامهم باغتصاب النساء في كنيسة إيطالية وهو ما تسبب في خلق من موقف ضبابي ومتردد داخل بعض الأوساط بإيطاليا اتجاه المغرب بما فيها الصحراء، وهو ما برز من خلال فيلم يحمل عنوان “توتشارا” لعب بطولته جون بول بيلموندو وصوفيا لورين وحصل على الأوسكار، وترك أثرا سلبيا في التوجه الإيطالي لذلك نجد في هذا البلد من يدعم البوليساريو بشكل سخي وبالتالي لا بد أن نعمل على تصحيح هذه الصورة ونعمل على استرجاع هذه الوثائق…

هل تعتقد أن اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء سيمكن بعض الدول المترددة من الخروج من المنطقة الرماية وإعلان دعمها لمخطط الحكم الذاتي، خاصة بريطانيا والبرتغال بحكم توفرهما أيضا على وثائق قد تنصف صواب الطرح المغربي؟
أعتقد أن بريطانيا والبرتغال قريبتان من الموقف المغربي وتعبر عنه بشكل أو بآخر، والدبلوماسية المغربية نشيطة وتتحرك بفاعلية كبيرة جدا ولديها جاهزية مرتفعة… يمكن أن تجعلها تصل إلى تسريع وثيرة اقتراب هذه الدول من الموقف الفرنسي والإسباني، وأعتقد أن بريطانيا هي الأقرب لكونها كانت لديها علاقات تاريخية كبيرة مع المغرب ولديها الكثير من الوثائق، كما أن الكثير من السفراء توجهوا منذ قرون إلى بريطانيا وكان المغرب يعتبر حليفا لها بل إننا كنا سنصبح في وقت ما حلفاء ضد إسبانيا وهناك الكثير من المبادلات التجارية بين ليفربول وفاس… وبريطانيا ستكون أقرب وأعتقد أنها قريبة جدا، والآن فرنسا ستلعب دورا إضافيا إلى جانب أمريكا من أجل حث مجلس الامن على طي هذا الملف نهائيا.

طيب… كأمين عام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، كيف يمكن لاعتراف فرنسا وإسبانيا أن ينعكس على وضع الجالية المغربي بهذين البلدين؟
أعتقد أن مغاربة العالم يشكلون الواجهة المتقدمة في الدفاع عن قضية الوحدة الترابية وهو ما يظهر من خلال التظاهرات التي تقام لدحض أطروحات البوليساريو والجزائر، علما أنه تم تسجيل مشاركة 130 من أفراد الجالية المغربية في المسيرة الخضراء، وأنا أقول أن هذه الاعترافات لها انعكاسات إيجابية لأن الجالية المغربية تضحي بالغالي والنفيس في هذه البلدان، واليوم لا ينظر إليها على أنها تقوم بأعمال معادية لما تعتقده، بل إن هذه الاعترافات ستضاعف جهودها من أجل القضاء على ما تبقى من مخلفات المعادين لوحدتنا الترابية، وربما في هذه الدول ستتوفر للمغاربة المقيمين بها ظروف أكثر وأحسن من أجل الدفاع عن قضيتنا، وسيجدون المزيد من الحلفاء حتى داخل المؤسسات الرسمية، لكون الكثير من الأنشطة المعادية لوحدتنا الترابية كانت تقام داخل هذه المؤسسات وتحظى بالدعم من المنتخبين، والآن سيتغير الوضع وهذا سيخفف عن المغاربة ما سيدفعهم لتكريس وحدتنا الترابية.

كسؤال أخير، دونالد ترمب قبل مغادرته السلطة منذ أربع سنوات وقع على وثيقة الاعتراف بقضيتنا الوطنية، فهل تعتقد أن إعادة انتخابه في نونبر القادم قد يساهم في إعادة تنشيط هذا الاعتراف بعد الجمود الذي عرفه خلال فترة جو بايدن؟
الاعتراف الأمريكي ساري المفعول بترامب أو بدونه، لأنه اعتراف للدولة الأمريكية…لكن عودة ترامب ستساهم حتما في تفعيل الاتفاق لكونه هو من أخذ المبادرة ومن وقع على المرسوم الرئاسي، لكن أعتقد أن أمريكا وصلت إلى نقطة اللاعودة في قضية الاعتراف بمغربية الصحراء ولا يمكن إلا أن تتقدم في الاتجاه الإيجابي لما فيه مصلحة المغرب، وأمريكا تعرف جيدا أن قضية الصحراء هي من مخلفات الحرب الباردة التي شارك فيها المغرب واستطاع أن يصمد في وجه المعسكر الشرقي الذي مثله كل من معمر القذافي والهواري بومدين وجمال عبدالناصر، فنحن اليوم نؤدي فاتورة هذه الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي ويجب أن نطالبهم بالقيام بالواجب لأن الملكية في المغرب استطاعت أن تصمد في وجه المعسكر الاشتراكي ويؤكد على أن هذا البلد يمكن أن يعول عليه في الأزمات، والمغرب يتوفر على تراكم تاريخي يجعل منه وسيطا حضاريا في العالم لإخماد نيران الحروب والصراعات، لكونه وراكم معرفة كبيرة مع إفريقيا والعالم العربي وآسيا وأوروبا والأمريكيتين عبر العلاقات الديبلوماسية لقرون خلت مع كل هذه الاطراف وعبر مساهمات الكثيرة للمغاربة في تقديم المعرفة الإنسان في العالم، كالشريف الإدريسي الذي رسم اول خريطة في العالم وابن بطوطة الذي وصل الصين والمالديف…

شارك