الثوابت الدينية المغربية في أقاليمنا الجنونية: تاريخ وأعلام وقضايا

مقدمة:

 يعتبر توحيد صف المسلمين واجبا شرعيا أمر به تعالى وحث عليه، وهو من أهم مقاصد الدين؛ فقد أمر الله تعالى بالتمسك بكتاب الله وسنة رسوله، واتباع الجماعة والأمة؛ كما نهى عن التفرقة وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالتبرؤ ممن فرقوا دينهم، وأمر بطاعة أولي الأمر، فقال تعالى: (( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا أنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبن الله لكم آياته لعلكم تهتدون))[1].

وقال تعالى: (( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون))[2]  وقال تعالى: (يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الآمر منكم).

وهذا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث الأمة الإسلامية جمعاء على التمسك بكتاب الله وسنته صلى الله عليه وسلم؛ واتباع أولي الأمر، لأن ذلك هو  السبيل الوحيد للنجاح والفلاح والأساس الذي يوحد كلمة الأمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا  بعدي أبدا؛ كتاب الله وسنتي ” (أخرجه الحاكم).

وجاء في السنة لأبي بكر بن الخلال: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ، أَنَّ إِسْحَاقَ، حَدَّثَهُمْ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ  سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: ” تَدْرِي مَا الْإِمَامُ؟ الْإِمَامُ الَّذِي يُجْمِعُ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ، كُلُّهُمْ يَقُولُ: هَذَا إِمَامٌ، فَهَذَا مَعْنَاهُ[3].

إذن فما هو السّبيل لتحقيق الوحدة، وما هي أسس وثوابت وحدة الأمة المغربية، وهل صحيح أن الثّوابت الدينية مشتركة منذ قرون بين المغرب وصحرائه؟ وما الذي يدلّ على ذلك؟ وهل من وثائق تثبت هذه الرّوابط الدّينية والتّاريخية بين المغرب وصحرائه؟ وكيف استطاعت منذ قرون أن تبقى هذه الثوابت مستقرة ثابتة لازمة في جميع ربوع المملكة من غربها إلى شرقها ومن جنوبها إلى شمالها؟ وما أثرها على المجتمع المغربي والصّحراوي؟

أهداف البحث:

  1. الانخراط الفعال في خدمة الثوابت الدينية والوطنية للمملكة، وإبراز أهمية هذا الجانب بالصّحراء المغربية.
  2. إبراز دور “مؤسسة إمارة المؤمنين والبيعة الشرعية في ترسيخ مؤسسة إمارة المؤمنين ببلاد الصحراء المغربية.
  3. إظهار أثر التصوف ورجالاته بالصحراء المغربية الدور الروحي والولاء السلطاني”.
  4. إبراز دور العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف الجنيدي في توحيد صف المسلمين والوحدة الترابية.

ولتحقيق هذه الأهداف والإجابة عن التساؤلات سأسلك في هذا البحث الخطة الآتية:

 مقدمة وفيها: إشكالية البحث، أهداف البحث، خطة البحث.

 مفاهيم أساسية: مفهوم الثوابت، مفهوم الوحدة، الثوابت الدينية.

المبحث الأول:  ثابت العقيدة الأشعرية.

المطلب الأول: العقيدة الأشعرية بأقاليمنا الجنوبية.

المطلب الثاني: المؤلفات العقدية المخطوطة بالصحراء المغربية.

المبحث الثاني: ثابت المذهب المالكي ببلاد المغرب.

المطلب الأول: استقرار المذهب المالكي ببلاد الغرب الإسلامي

المطلب الثاني: الصحراء المغربية واستقرار المذهب المالكي

المبحث الثالث: إمارة المؤمنين بالأقاليم الصحراوية وبلاد البيظان.

المطلب الأول: ثابت الوحدة التّاريخية، ومقاصد البيعة لأمير المؤمنين.

المطلب الثاني:إمارة المؤمنين وبيعة أهل الصحراء لأمير المؤمنين.

المبحث الرّابع: ثابت الوحدة المذهبية في السلوك والتصوف السني طريقة الجنيدي.

المطلب الأول: التصوف الجنيدي ببلاد المغرب.

المطلب الثاني:علاقة الإمداد والاستمداد بين المغرب وبلاد البيظان في التصوف والسلوك.

تمهيد

إن الحديث عن الثوابت الدينية المغربية يستدعي منا أن نبين أولا أن المغاربة عاشوا قرونا محافظين على هذه الثوابت وإلى اليوم رغم كل العقبات التي حاولت تفريق وتمزيق هذه الثوابت؛ فوجود الاستعمار مثلا ومحاولته مسح الهوية الثقافية الدينية المغربية إلا أن المغاربة  استطاعوا أن يتجاوزوا كل التيارات المعادية لهذه الثوابت، وظل المغاربة أوفياء لها، متمسكين بها منذ قرون عديدة من شمال المغرب إلى جنوبه دون استثناء.

وسأحاول في هذا المبحث أن أُبرز القواسم المشتركة بين شمال المغرب وجنوبه، لكي نثبت أن هناك جملة من الثوابت الدينية المشتركة بين جميع أقاليم المملكة المغربية منذ قرون، فماذا نعني بالثّوابت؟ وهل هذه الثّوابت لها الأثر في الحفاظ على الوحدة التّرابية؟ وما هي هذه الثوابت؟  وبم تتميز؟

  مفهوم الثّوابت:

وحينما نقول الثوابت فإننا نقصد بذلك الإطار الذي استقر عليه عمل هذه الأمة، وهو الثابت اللاَّزِم الذي لا يتبدل ولا يتغير رغم كل الظروف، وهو الذي يتجلى في معنى الوحدة الذي يعني أخص خصائص أي ذات أو كائن متميز…

وببساطة فالثبات يعني أن هناك مقومات وجودية مستمرة للذات أو للموضوع، جعلت منه ثابتا ولازما. 

الثوابت الدينية

ونعني بالثوابت الدينية: ثابت العقيدة الأشعرية، وثابت المذهب المالكي، وثابت التصوف الجنيدي، وثابت إمارة المؤمنين.

فهذه الثوابت الأربعة عند دراستنا للمجتمع الصحراوي والمغربي نجد أن المغرب مع صحرائه شكلا معا منذ قرون هذا الثابت على الدوام، فإخواننا في الصحراء المغربية لم يعرف تاريخيا إلا وهم على طريقة الأشاعرة في الأصول، ومالكية في الفروع،  وجنيدية في السلوك والتصوف والأخلاق، وهم على البيعة الشرعية لولي الأمر ولأمير المؤمنين.. ولم يثبت أنهم خرجوا عن هذه الثوابت الأربعة..

فالمجتمع المغربي كما قلنا من طنجة إلى الكويرة  من الناحية الدينية سني أشعري، مالكي، جنيدي منذ قرون، وهذا الاختيار الديني عن طريقه حسمت الصراعات التي ما زالت دول كثيرة في العالم الإسلامي تعاني منها، بين شيعة وسنة، وصوفية وسلفية، وغيرها من النزاعات الطائفية المقيتة المضعفة لوحدة المجتمع وتماسك الدولة.

هذه الثوابت التي عبّر عنها الإمام عبد الواحد بن عاشر (ت1040ھ) في منظومته:

في عقد الأشعري وفقه مالك      وفي طريقة الجنيد السالك

هذه الثوابت  هي التي تعبر عن وحدة المغاربة هذه الثوابت التي كانت وما تزال هي الضامن  لتمتع أهل المغرب بالأمن والأمان، والوحدة والوئام، فشكلت هذه الثوابت الخصوصيات الدينية للمغاربة، ثوابت أساسية ارتضاها المغاربة وأجمعوا عليها منذ قرون، وكان من ثمارها أن أورثت المجتمع المغربي هوية، ميزته عن باقي المجتمعات الإسلامية الأخرى.

والملاحظ لدى المؤرخين وعلماء الاجتماع أنّ هذه الثّوابت هي ثابتة في جميع مناطق المغرب من شمال وجنوب وشرق وغرب، وهو الأمر الذي يكاد يكون جليا وواضحا، وسأسعى في هذه المقولة لإبراز الجانب المتعلّق بأقاليمنا الصّحراوية الجنوبية في علاقتها مع هذه الثوابت..

الثابت الأول: ثابت المنهج العقدي الأشعري:

كانت البدايات الأولى لدخول المنهج الأشعري في العقائد لبلاد المغرب في القرن الرابع الهجري، وسيعرف المذهب الأشعري الاستقرار ببلاد المغرب على يد تلاميذ الإمام الباقلاني الذين رحلوا لبلاد المشرق وجالسوا إمام أهل السنة في وقته وزمانه الإمام المتكلم سيف السنة وحجة الإسلام والمسلمين القاضي أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني المالكي الأشعري، ثم على يد تلاميذ الباقلاني أمثال عبد الجليل الديباجي سيعرف المذهب الأشعري انتشارا واسعا واستقرارا ومنذ ذاك الوقت إلى الآن كانت السيادة للمنهج الأشعري في مسائل العقيدة في كافة ربوع المملكة من ذلك بلاد البيظان  الصحراء  المغربية، وبلاد مورتانيا، والغرب الإسلامي عموما…

والمغاربة حين اختاروا هذا المنهج اختاروه لأنهم وجدوا فيه ما يوافق طبيعتهم وبيئتهم، وقد بين ابن عساكر الدمشقي في كتابه «تبيين كذب المفتري»، منهج الأشعري في الأخذ بالوسطية والاعتدال ومجانبة التطرف في العقائد، ومن ذلك أنه قال: “قالت المعتزلة إن صاحب الكبيرة مع إيمانه و طاعته مائة سنة لا يخرج من النار قط، فقال رضي الله عنه: المؤمن الموحد الفاسق هو في مشيئة الله تعالى، إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء عاقبه بفسقه، ثم أدخله الجنة”[4].

وقد شكل هذا الثابت اختيارا لدى المغاربة جميعا.

العقيدة الأشعرية بأقاليمنا الصحراوية

مثلها مثل باقي ربوع المملكة تأثرت بلاد الصحراء المغربية بالتحولات العامة والسياقات الظرفية التي عرفها المغرب، وكان من مظاهر هذا التأثر الاختيارات المذهبية في العقيدة والفقه والتصوف، وقد ساهمت الرحلات الحجازية لعلماء الصحراء ومركز القرويين بفاس الذي تتلمذ فيه علماء الصحراء خلال القرن التاسع والعاشر الهجريين في نشر العقيدة الأشعرية ببلاد البيضان، ليصبح الدرس العقدي الأشعري من المنطلقات النظرية والعلمية في المحاضر الصحراوية[5].

وقد ازدهرت العقيدة الأشعرية خلال القرن الثّاني عشر والثالث عشر الهجريين بالصّحراء، حيث بدأ العلماء بتدريسها بالمحاضر والتأليف في مسائلها أصولا وفروعا، وتخريج عدد كبير من المتخصصين في منطلقات وأسس أصول الدّين الأشعري[6].

  ومن أبرز ما يؤكد لنا أن المنهج الأشعري حاضر عند علماء الصحراء، ما نجده في مؤلفاتهم من خصائص المنهج الأشعري ومن ذلك:

أولا: صرف الآيات المتشابهة عن ظاهرها وتأويلها بما يليق بجلال الله تعالى وكماله.

ثانيا: تأويل الصفات الخبرية سيرا على نهج السادة الأشعرية منذ أبي الحسن الأشعري إلى الآن.

ثالثا: الجمع بين النقل والعقل في الاستدلالات في كتب العقائد في بلاد البيظان.

رابعا: نجد حضورا كبيرا لأعلام لعقيدة الأشعرية، مثل أبي الحسن الأشعري، والإمام الباقلاني، والإمام أبي المعالي الجويني، وأبي القاسم عبد الجليل الديباجي، والإمام ابن العربي، وأبي الوليد الباجي، والقاضي عياض..

ومما يدل على ذلك حضور المؤلفات الأشعرية ببلاد الصحراء..

المؤلفات العقدية المخطوطة بالصحراء المغربية[7]

تم الوقوف على جملة من النصوص العقدية على منهج الأشعري ببلاد البيظان، سواء في الصحراء المغربية، أو بلاد موريتانيا، أو السنغال، أو مالي.. مما يدل على أن المذهب الأشعري كان منتشرا في هذه البلاد..

ومما يدل على اتباع أهل الصحراء المذهب الأشعري، أن المعاهد العلمية تدرس كتب الأشاعرة، وما زال شيوخ المعاهد والمدارس العتيقة يدرسون كتب المذهب الأشعري إلى الآن وهي المعتمدة عندهم..

وهذه نماذج من بعض النصوص المتواجدة بصحرائنا المغربية:

  • أجوبة على عدة مسائل في التوحيد، الشيخ سيدي المختار الكنتي الكبير، خزانة المركز الثقافي الكنتي بالعيون.
  • مخطوط وسيلة السعادة، مؤلف مجهول،خزانة آل سبويه الخاصة بالعيون، تاريخ النسخ سنة 1799 ميلادية.
  • مخطوط المنة في اعتقاد أهل السنة، الشيخ سيدي المختار الكنتي الكبير (ت1226ه)، خزانة المركز الثقافي الكنتي بالعيون.[8]
  • الشموس الأحمدية على العقائد الأحدية، الشيخ سيدي المختار الكنتي الكبير، خزانة المركز الثقافي الكنتي بالعيون.
  • مخطوط الفوائد النورانية والفرائد السنية في شرح الاسم الأعظم، الشيخ سيدي محمد خليفة الكنتي (1242هــــــ)،الناسخ: أحمد بن محمود بن شعبان، نوع الخط: مغربي مقروء وواضح نسبيا، عدد الصفحات: 28 صفحة، مالكه: المركز الثقافي الكنتي بالعيون.
  • تحفة الأعلام فيما يجب لخيرة الأنام، الشيخ القاضي الشريف الحسيني مولاي ابراهيم بن مولاي عمر، توجد نسخة منه عند الأستاذ الشريف العلوي بمدينة العيون، وعند ابن عمه الشريف محمد المهدي ولد محمد البشير، وهم من حفدة المؤلف رحمه الله، توفي في الثلث الأخير من القرن الثالث عشر الهجري قرب مدينة السمارة[9].
  • مخطوط سلم المطر لمحمد يحظيه بن عبد الباقي صدر جمادى الأولى 1322هـ، نسخة محفوظة في خزانة آل سبويه الخاصة بالعيون
  • مخطوط: منظومة المنهل العذب لعلم أسرار صفات الرب، المؤلف: أبو الفضل محمد الوالي ابن سليمان الفلان، الناسخ: عبد الله بن سعيد الفوتي، تاريخ النسخ: سنة 14 جمادى الاخرة  1235 هجري، نوع الخط :مغربي مقروء وواضح ،عدد الصفحات :06 صفحة.
  • منظومة في معرفة ما يجب في حقه تعالى وما يستحيل، الشيخ ماء العينين (ت1328 هـــــ)[10]
  • منور الأفهام في حكم الثلاثة الأقسام، الشيخ ماء العينين
  • بيان أن التوحيد كله مندرج في صفة مخالفته تعالى لخلقه، الشيخ ماء العينين
  • المقاصد النورانية في ذكر من ذاته وصفاته متعالية، الشيخ ماء العينين
  • منظومة الستة والستون في العقدية الأشعرية، الشيخ ماء العينين، نسخة أصلية من خزانة الشيخ محمد فاضل حفيد الشيخ امربيه ربه بن الشيخ ماء العينين (ت 1361ه)، وقد أرسلها لي جزاه الله خيرا في ليلة ذكرى المولد النّبوي.
  • مخطوط واهب المعالي، الشيخ امربيه ربه بن الشيخ ماء العينين..
  • هداية من حارى في أمر النصارى، الشيخ امربيه ربه بن الشيخ ماء العينين.
  • سرادقات الله الدافعات، الشيخ أحمد الهيبة بن الشيخ ماء العينين (ت 1337 ه).
  • إسعاف السائل في الكلام على بعض المسائل، الشيخ محمد الإمام بن الشيخ ماء العينين( ت 1970 م).[11]

الثابت الثّاني:  ثابت المذهب المالكي

تمثل وحدة المذهب المالكي عامل اتفاق بين أفراد المجتمع الواحد وقد اختار المغاربة المذهب المالكي منذ دخول الإسلام إلى هذا البلد بما في ذلك بلاد البيظان الصحراء المغربية..

 ومثلت المدرسة المالكية المنهج الأفضل عند المغاربة لفهم الإسلام وتطبيقه، حتى أصبح لها الأثر على سلوك الإنسان المغربي بجميع أبعاده الفردية والجماعية، حيث مثل الفقه المالكي المرجعية في أغلب مناحي الحياة المجتمعية لقرون عدة: في القضاء، والتشريع وإدارة الدولة، مع مراعاة أعراف المجتمع المغربي وتقاليده، فضلا عن أن فقهاء المالكية قد أسهموا بالقسط الأوفر في سد أبواب الفتن والحفاظ على الوحدة الوطنية، معالجة النوازل الشديدة لمواجهة الغزو الأجنبي، سالكين في ذلك مسلط الوسطية والاعتدال، ومحافظين على المصالح العامة.

ولم يزل المذهب المالكي بحكم وسطيته وبساطته، مستقرا في نفوس المغاربة حتى أصبح ممتزجا بطبيعتهم وسلوكهم، مستثمرين من منهجه لاستيعاب الوقائع المستجدة.

يقول الأستاذ أحمد توفيق عن الإمام مالك: ” فإلى جانب سعة أصول مذهبه وتوسطه واعتداله، تميز ببعد عقلاني ميداني، حيث كانت حياة الناس في المدينة حاضرة في اجتهاده، فقد اعتمد القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع، أي أغلبية الصحابة، واعتمد القياس وعمل أهل المدينة وقول الصحابي والاستحسان، وهو تدقيق في القياس، والاستصلاح، أي مراعاة المصلحة، ومراعاة العرف، والاستصحاب، وفيه إدماج للعوائد الثقافية، ومراعاة الخلاف.

ولهذا يعد تمسك المغاربة بالدين الإسلامي وبالمذهب المالكي تمسكا بأهم العناصر المكونة لهويتهم الثقافية والحضارية، لذلك لم يتجرأ أي إصلاح كما كان نوعه أن يمس بهذا الثابت المهم من ثوابت أمتنا المغربية”[12].

وقد ثبت من خلال الوثائق والمخطوطات وكتب التراجم أن الأقاليم الجنوبية للمغرب كانت وما زالت متبعة المذهب المالكي، بل إن بلاد الغرب الإسلامي عموما اختارت مذهب الإمام مالك في الفروع الفقهية…

الثابت الثالث: ثابت الإمامة الكبرى (إمارة المؤمنين)

المطلب الأول: الثّابت التاريخي

تشير المصادر التاريخية التي وثقت لمعالم التواصل الثقافي والديني بين المغرب وبلاد البيظان، إلى أنها ترجع إلى فترة المرابطين، فعندما كان يحيى بن إبراهيم اللمتوني راجعا من الحج عرج على القيروان وذهب عند حافظ المذهب أبي عمران الفاسي (430هـــ)، وطلب منه أن يرسل معه أحد طلبته للصحراء ليعلم أهلها مبادئ الشريعة الإسلامية وأصول الاعتقاد الصحيح، فاقترح عليه أبو عمران الفاسي أحد الطلبة الذي ينتمي إلى قبيلة لمطة البيظانية وهو وكاك بن زلو اللمطي، ليقترح عليه وكاك بن زلو الشيخ عبد الله بن ياسين المرجع الديني لدولة المراطبين الفقهاء، وهكذا بدأت دعوة المرابطين إلى أن أسست الدولة في مراكش وتوغلت في بلاد البيظان والسودان، وفي فترة الموحدين والسعديين ظهرت الحركة التجارية خصوصا بين المغرب و السودان الغربي عبر تجارة الملح والذهب، مما جعل السلطان المنصور الذهبي السعدي يقوم بحملة على تمبكتو للسيطرة عليها، مجهزا جيشا قويا يتقدمه 6000 من الرماة،[13] ليستقر الجيش المغربي في هذه البلاد ويتعايش مع أهلها حتى بعد سقوط الدولة السعدية…

وتوجد وثائق تاريخية كثيرة تدل على أن الصحراء وأهل الصحراء كانوا وما زالوا جزءا لا يتجزأ من وطنهم وملكهم وإخوانهم المغاربة.. وسنأتي على ذلك هذه الوثائق في الثابت الموالي وهو:

ثابت إمارة المؤمنين، ومقاصده:

ويقصد بها إمارة المؤمنين القائمة على أساس البيعة الشرعية المجسدة للعهد الموثق بين الراعي و الرعية.  والتي من خلالها تحفظ الحقوق والمصالح الدينية والدنيوية.

عَنْ  أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي». رواه مسلم

وإمارة المؤمنين: إمارة المؤمنين مصطلح شرعي معناه القيام على شؤون الرعية بما فيه صلاحهم دنيا وآخرة.

وأمير المؤمنين: لقب يطلق على من يتولى قيادة الدولة  الإسلامية استنادا إلى الشريعة الإسلامية، وهو عصمة الأمة وجامع كلمتها، وتنصيب أمير المؤمنين واجب شرعي بالكتاب والسنة والإجماع، ويعتبر ناقضها كافرا مرتدا بالإجماع باتفاق العلماء وإن اختلفوا في عقوبته حسب حاله وحال الأمة.

ومعلوم أن الإمامة تقوم على أسس: البيعة- أهل الحق والعقد. ومن أهم مقتضياتها: السمع والطاعة،  ولزوم الجماعة، والنصرة وتتم بالدعاء والنصيحة والتأييد.

ومن مقاصد إمارة المؤمنين الشرعية: حفظ الدين. حفظ العقل. حقن دماء المسلمين. حفظ الأغراض والأموال وسياسة المسلمين[14].

ثابت إمارة المؤمنين وبيعة أهل الصحراء لأمير المؤمنين:

 بلغت العلاقات التواصلية بين المغرب وصحرائه أوجها وازدهارها مع الدولة العلوية الشريفة، خصوصا مع السلطان المصلح سيدي محمد بن عبد الله العلوي، الذي كانت له علاقات علمية وتواصلية مع علماء الصحراء، فقد زاره الشيخ حبيب الله المجيدي عندما كان ذاهبا لأداء فريضة الحج وهو من لقبه بالمجيدي، وكانت له علاقات تواصلية قوية مع الشيخ سيدي المختار الكنتي الكبير (1226هـــ)..

 يقول له الشيخ في رسالة توجد نسخة منها بالخزانة الحسنية بالرباط ما نصه: ” فمن العلامة المسدد ، بل الوارث المجدد واسطة عقد الأبرار، وقطب دائرة الأخيار، الشيخ سيد المختار بن سيد أحمد بن أبي بكر الكنتي الوافي ، إلى من توسط ذُؤابة عبد مناف ، واستعلى أرومة هاشم ذروة الأشراف … أمير المؤمنين سيدنا ومولانا سيد محمد بن مولانا عبد الله بن مولانا إسماعيل نضر الله أيامه ، ونصر أعلامه ، و أمد بمدد النصر عساكره ، ورعى بعين عنايته دساكره.”[15][16]

وازدهرت العلاقات التواصلية بين المغرب وعمقه الإفريقي مع السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام العلوي، الذي وطد نظام الحكم بالجنوب المغربي واستقبل الوفود الصحراوية، وقد كلف الشيخ سيدي امحمد الكنتي الصغير نائبا عنه في منطقة الصحراء بظهير شريف،[17] وقد استقبل الشيخ أحمد بن طوير الجنة الحاجي الوداني وأكرمه وأخذ منه البيعة أثناء رجوعه من رحلته الحجازية[18]، وقد مدحه الشيخ محمد المامي ولد البخاري الباركي في منظومته التي خصصها مقدمة لنظم مختصر خليل وسماها السلطانية نسبة إلى السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام….

 ومن الوثائق المخطوطة التي تثبت قوة العلاقات الشرعية والتاريخية ما وقفت عليه وهو ظهير شريف للسلطان الحسن الأول الذي أرسله للشيخ أحمد بن الأعمش الجكني، حيث عينه قاضيا على قبيلة تجكانت بتندوف سنة 1886 ميلادية.

وكان حضور شيخنا الشيخ ماء العينين قويا في هذه العلاقات، فقد عاصر أبرز السلاطيين خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وهم: مولاي عبد الرحمان بن هشام والحسن الأول، مولاي عبد العزيز، ومولاي عبد الحفيظ،[19] ونسق معهم في مقاومة المستعمر الفرنسي والإسباني، وكذلك كان يراسل السلطة المركزية فساعدته في بناء مدينة السمارة[20]، وسنكتفي برسالة واحدة مخطوطة أرسلها السلطان مولاي الحسن الأول إلى الشيخ ماء العينين سنة 1889 ميلادية.[21]

   ومن الأمور التي رسخت العلاقات المغربية البيضانية  قضية مقاومة المستعمر، وسأسرد حدثين على سبيل مثالين لا الحصر عن ذلك:

 الحدث الأول: هو مقاومة البيضان بالنسيق مع مولاي عبد العزيز ومولاي عبد الحفيظ في العديد من المعارك خصوصا في منطقة شنقيط وأطار وتشيت وتناكت[22] .

والحدث الثاني: قدوم الشيخ المقاوم المختار ولد الحامد من بلاد شنقيط إلى مدينة السمارة من أجل طلب الدعم من السلطان مولاي عبد الحفيظ، وقد حضر اللقاء مولاي إدريس ابن عم السلطان والشيخ ماء العينين والمختار ولد الحامد، وكانت مخرجاته دعم المقاومين وإمدادهم بالعتاد والسلاح والأكل، وتوضح هذه الوثيقة المصدرية المخطوطة الخاصة المعطيات التاريخية لهذا الاجتماع الرسمي.

الثّابت الرّابع: وهو التصوف السني الجنيدي

 التصوف ينطلق من كيفية إحسان العبادة لله الواحد الأحد بتحقيق الانسجام بين الظاهر والباطن. ولطالما استشهد الصوفية بالحديث الذي رواه عمر رضي الله عنه، والذي شرح فيه جبريل معنى الإسلام والإيمان، وأن الإحسان يطابق حالة من الحضور مع الله، بأن تعبده كأنك تراه. وقد خرج التصوف أول ما خرج من طائفة أوائل الزهاد، والمحقق أن ذلك وقع قبل التقاء الفكر الاسلامي بفلسفة اليونان وروحانية الهنود، كانت حياة هؤلاء الزهاد وأحوالهم تقابل، وكأنها تحتج عليها، أحوالا حياتية أخرى تميزت بالتنافس في طلب الجاه، والتقاتل في طلب السلطان، وبالتهافت على كسب الثروة، وبالرياء في العلم والرضا منه بالقشور. فتاريخ الإسلام الديني إنما يزداد وضوحاً في ضوء تاريخه الاجتماعي.

في سياق هذا التمهيد الزهدي ظهر المؤسسون، ومنهم أبو القاسم الجنيد الذي يستند المغاربة الى مشربه في التصوف، منشؤه بالعراق. مات وهو يصلي عام 298 هـ على الأرجح. وهو بتعبير السبكي: سيد الطائفة، اجتمع له العلم والحال، وكل أقواله تأكيد على أن لا حقيقة بدون شريعة، وأن لا باطن بلا ظاهر، وأهم أركان التصوف عنده ثلاثة:

1 ـ ذكر مع اجتماع، 2 ـ ووجد مع سماع، 3 وعمل مع اتباع. وهو القائل: الطريق مسدود على خلق الله عز وجل إلا على المقتفين أثر رسول الله والتابعين لسنته.[23]

وقد شهدت بلاد الصحراء المغربية نشاطا صوفيا مهما، بل إن الدّولة المرابطية التي انطلقت من بلاد الصحراء كان مؤسسها عبد الله بن ياسين المرابطي الذي انطلقت دعوته من الزوايا وكان على الطريقة السنية الصوفية.

وما زال ارتباط بلاد البيظان بمشايخ المغرب والطرق والزوايا إلى الآن ونحن نعرف امتداد الطريق الصوفية في افريقيا  كالطريقة التيجانية، والطريقة القادرية وغيرهما… ومما يدل على ما ذكرناه وجود مخطوطات عدة في السلوك والتصوف من ذلك على سبيل المثال.

  • مخطوط كتاب التنبيهات الواضحات فيما جاء في الباقيات الصالحات، للشيخ محمد بن بل بن الشيخ عثمان ابن محمد فودي، عدد الصفحات: 16صفحة، يوجد في خزانة المركز الثقافي الكنتي بالعيون
  • الكوكب الوقاد في ذكر فضل المشايخ وحقائق الأوراد، الشيخ سيدي المختار  الكنتي الكبير، خزانة المركز الثقافي الكنتي بالعيون.

خاتمة:

وصفوة القول فقد شكلت ﻫﺫه الثوابت والخصوصيات الدينية للمغاربة ، ثوابت أساسية ارتضاها المغاربة وأجمعوا عليها ﻤﻨﺫ قرون ، وكان من ثمارها أن أورثت المجتمع المغربي هوية ميزته عن باقي المجتمعات الإسلامية الأخرى .

   إن النموذج المغربي في التدين ثابت الجذور في الوجود المعنوي والروحي لبلدنا المغرب في امتداده الواسع عبر بلاد البيظان، صامد في وجه كل الاختلافات، فالمغرب كان وما زال محافظا على وحدته الدينية المبنية على قيم التعايش والتسامح والوسطية والاعتدال، ومُؤَطَّر بمؤسسة إمارة المؤمنين، وبعقيدته السنية الأشعرية ووحدة مذهبيته الفقهية، وعمقه الروحي السلوكي الجنيدي.

 فهذا النموذج الذي اعتمده المغاربة لتأطير حياتهم الدينية، كفل لهم الأمن والوحدة، ولعله قدوة ومثل للآخرين، لأنه متجانس ومكتمل الأركان والصور ومتناغم الأفكار والحجج، في تدبير أمور الدنيا والدين.

فواجبنا اليوم اتجاه ديننا ووطننا أن نحافظ على هذه الثوابت وأن نتمثلها في  حياتنا اليومية قولا وفعلا وعملا، علينا أن نربي أبناءنا وبناتنا ومجتمعنا على هذه الثوابت وأن نعض عليها بالنّواجد، ونحن بذلك نحقق مقصود الشرع الذي حثنا على الوحدة والتمسك بها ونهانا عن التفرقة، ونحن بذلك أيضا نتمثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي انطلقنا منه وهو تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي، وهذه الثوابت  التي ذكرناها أساسها القرآن والسنة.

 وهذه الثوابت الدينية شملت جميع ربوع المملكة منها صرحاؤنا المغربية، وهذه الثوابت هي ضمان وحدتنا وعزتنا وكرامتنا وامننا واستقرارنا. وبالله التوفيق.

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أعده: رشيد عمور
الرشيدية في: 15 جمادي الأولى 1446 هـ/ 18 نونبر 2024م
مختبر القانون والشريعة والمجتمع
فريق بحث: التراث الشرعي والفكري عند علماء الغرب الإسلامي


[1]  سورة آل عمران (101-102) 

[2]  سورة الأنعام (159)

[3]  السنة لأبي بكر بم الخلال الحديث رقم:10 (1/80)

[4]  تبيين كذب المفتري لابن عساكر (151).

[5] تحفة الأعلام، (ص: 110).

 [6] تحفة الأعلام فيما يجب لخيرة الأنام، القاضي مولاي ابراهيم بن مولاي عمر الحسيني، ص: 21[6] .

[7] كل هذه المخطوطات التي سوف أذكر وقفت عليها إما أثناء الفهرسة الخاصة بالخزائن والمكتبات الموجودة فيها أو عن طريق الدراسة العامة لها.

[8]  توجد نسخة منه بعنوان: ” الإرشاد في الهداية إلى السداد وحسن الاعتقاد بالمكتبة الوطنية بالرباط تحت رقم: ك،935

[9]  انظر تحفة الأعلام فيما يجب لخيرة الأنام، مولاي ابراهيم بن مولاي عمر، تحقيق محمد المهدي ولد محمد البشير، ص: 38[9]

 [10] توجد هذه الكتب المخطوطة الخاصة بالشيخ ماء العينين عند العديد من الخزائن الخاصة بالجنوب المغربي، نذكر منها خزانة الشيخ لارباس ماء العينين، رئيس المجلس العلمي بالعيون، وخزانة الدكتور ماء العينين النعمة علي أستاذ البلاغة بجامعة ابن زهر، وخزانة الشيخ فاضلي ماء العينين بالعيون وغيرهم من حفدة الشيخ الكثر بالعيون والسمارة وطانطان وتزنيت وأكادير.

 [11] موقع الشيخ ماء العينين.

[12]  الأستاذ عبد الرزاق وورقية: النموذج الإصلاحي المغربي: تفرده وثوابته ومسالكه. (ص:91-92) دعوة الحق العدد:401.

[13] وتوجد مخطوطة تعرف برسالة إلى الرماة، للشيخ محمد خليفة الكنتي، توجد نسخة منها بالرباط بخزانة مؤسسة علال الفاسي.

[14]  مقال إمارة المومين التأصيل الإسلامي والامتداد التاريخي لعبد الحي عمور. بتصرف (ص:16-17) مجلة دعوة الحق العدد401، سنة 1432ه/ 2011م.

[15] رسالة الشيخ سيدي المختار الكنتي لسيدي محمد بن عبد الله العلوي ، ص : 24، 25[15].

 [17] انظر ندوة معالم الإصلاح بالمغرب خلال القرن العشرين، مقال الشيخ سيدي امحمد الكنتي الصغير ومنهجه الإصلاحي، ياسين بن روان، ص: 313، منشورات شعبة الدراسات الإسلامية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس، الطبعة الأولى، سنة 2018 ميلادية.

 تاريخ ابن طوير الجنة الحاجي الوداني، ص: 29[18]

[19] حسب الوثائق التي وقفت عليها من مراسلات وظهائر شريفة لهؤلاء الملوك، وأغلب هذه الوثائق المخطوطة محفوظة عند الأسر المعينية أو في الخزائن الخاصة والعامة.

[20]  وقفت على وثيقة مخطوطة في خزانة آل سبويه الخاصة بالعيون تؤرخ لبناء مدينة السمارة في واد سلوان، ومساهمة السلطة المركزية في ذلك.

 كالدكتور النعمة علي ماء العينين، وفاضلي ماء العينين وغيرهم [21]

[22]  التوغل في موريتانيا، اكتشافات، استكشافات، غزو، الرائد جلييه، ص: 335[22]

[23]  انظر: الدروس الحسنية:الثوابت الدينية المغربية وجذورها في عمل السلف الصالح. أحمد التوفيق. (ص:21).

شارك